عيون الجسد ...الجزء الثاني
. . "#عيون_الجسد "
. . "#الإسقاط_النجمي "
." رواية " الجزء 2
.
لا أعلم ماذا تغير بعد تلك الرحلة مع جدي " حسن الشاذلي" ، وكأن العالم تغير من حولي
أفكاري . . أحاسسي . . نظرتي للحياة . . لم يعد الأمر كما كان , تلك الرحلة كان لها دور كبير في تغير جزء كبير من شخصيتي، تعلمت درسا كبيرا ، في ذلك العالم الخفي الحقيقي لاض4صماهو اتجاهك الديني ،
في ذلك العالم الحقيقي لا يوجد غير الله الخالق و رسله الحق ، في ذلك العالم لا يوجد سوى الحقيقة .
في تلك الليلة عندما عدت للمنزل مع جدي سألته سؤالا كان لابد منه وقد شغل بالي كثيرا لكنني كنت مترددا ،
لكنه كالعادة وكأنه يعرف ما يجول في عقلي وخاطري ، بادرني قائلا : إسأل يا علي عما يشغلك؟؟
فقلت له : يا جدي هل " الصوفيون " فقط هم من يدركون هاته الأمور الربانية ؟؟
فقال : وهو يبتسم عندما حدثتك عن القلب السليم لم أقصد بحديثي هذا " الصوفيين " فقط ، بل قصدت كل عباد الله،
إعلم يا عزيزي أن الحق ليس له علاقة بالصوفية أو غيرها ، بل الحق في أن تكون مؤمنا بالله خالصا ،
واعلم أنه ليس كل" الصوفيين" مخلصين فيما يعتقدون ، فهناك المصطنعون الذين تم إقحامهم في هذا المجال لتشويهه ، وهناك الكاذبون المتاجرون بالمواجد و هناك المنافقون " أدعياء المقامات الروحية " ، فليس كل من تعمم عالم و ليس كل من تسبح ذاكر و ليس كل حامل كتاب بقارئ....
اما أنت يا علي وما وصلت إليه و ما أنت فيه من نعمة فلا علاقة له بالصوفية التي تسأل عنهم ، إنما هو هبة من الله يعطيها لمن يشاء من عباده، سواء كان مسلما أو مسيحيا او يهوديا على حسب مسميات أرض الدنيا ، إذا كان صاحبها ذا قلب سليم وروحه كالجوهر الصافي ،
وإذا حافظ على تلك الفطرة التي وهبه الله إياها بالعمل الصالح و بالإرشاد السليم من " أستاذه الرباني " كان من الرابحين وفتح الله له أبواب رحمته و مد الله له في بصره و سمعه و قوته و أعطاه من فضله ما لا يعلم قدره إلا الله ، أما إذا اتبع " طريق الشيطان " بالإخلال بما سبق كان من الخاسرين ،
بعد تلك الرحلة لم أستطيع النوم لليلتين متتاليتين ،
و أول شيء فكرت فيه هو صديقي " محمود " الذي يحاول أن يغوص في عالم " الإسقاط النجمي " وهو غير مدرك لما مدى خطورته .
في اليوم التالي ذهبت إلى منزله وحاولت فتح هذا الموضوع معه و إقناعه بأنها مخاطرة كبيرة قد تعرض حياته للخطر من قبل الشياطين ،
وعندما حدثته تركز حديثه بالتساؤل عن المصدر ؟؟
وأين وجدت هذا الكلام الفارغ ؟؟
في النهاية هو لم يستسلم وجرب تلك الطريقة مرارا وتكرارا ،
وأنا لم أجرؤ على قول الحقيقة له ،
ماذا كنت سأقول له ؟؟
بأن روح جدي " الميت " منذ زمان ، تزورني ،وتأخذني معه هنا وهناك وأنه هو مصدر هذا الكلام !!
أكيد أن صديقي " محمود " لن يصدقني وسينعتني بالجنون و هذا أمر مؤكد ،
و في كل محاولة لإقناعه أن " عملية الإسقاط النجمي " أمر خطير كان يسأل عن المصدر ، و أنا كنت أستسلم و أتراجع،
حتى حصلت كارثة غير متوقعة بعد مرور شهرين ، يومها سمعنا خبرا نزل علينا كالصاعقة مع تمام العاشرة صباحآ ،
زميلكم " محمود مكرم " توفاه الله امبارح وهو نايم بالليل ،
خبر موته شكل صدمة قوية في الجامعة ، وخصوصا أنه شخص معروف بروحه المرحة ،
وأسلوبه في معاكسة الجميع ، حتى الأساتذة و المدرسات لم يكن يسلمن من معاكسته ومزاحه ،
الجميع كان يسأل كيف مات ، لدرجة أنهم لم يصدقوا واعتبرها البعض مجرد مزحة رخيصة و تافهة ،
أنا الوحيد الذي كنت أعلم ما حصل معه وتألمت كثيرا ،
بعض الأصدقاء قرروا الذهاب إلي بيت المرحوم في ذلك اليوم وأنا ذهبت معهم لتقديم التعازي لأهله ،
كانت حالتهم سيئة جدا ،
وعند دخول بعض الأصدقاء والمدرسين إلى منزل صديقنا " محمود " كانت الأم في حالة من الصدمة جاحظة العين وهي تحتضن صورته ، وعندما رأتني قالت : شايف يا علي شايف صاحبك راح وسبني لوحدي ،
إتعشى إمبارح و كان بيهزر مع أبوه و اخواتوا عادي جدا وبعدها دخل الأوضة بتعتوا وطلب محدش يخش عليه ، بعد ساعة سمعناه بيصرخ وهو بيقول لاء لاء ، دخلت عليه بقلوا مالك يابني ، على أساس إنو بيشوف حلم وحش ولا حاجة ،.
بينما هي تتكلم خرج رجل من غرفة محمود وبيده محفظة وأب محمود بجواره ، عرفت أنه دكتور جاء للمعاينة ، لكن ما قاله كان صادما قال : إن محمود دخل في" كومة دماغية " و أنصحكم أن تأخدوه للمشفى لعل الدكاترة يجدون له حلا عاجلا ، وكل دقيقة تأخير ليست في صالحه ،
هنا عرفنا أن محمود لم يمت لكنه دخل في غيبوبة ،
ونقلناه للمستشفى بسرعة
أثناء تواجدنا في المستشفى ، قاموا بعرض محمود على
"الدكتور عصام إبراهيم " وبعد التشخيص والقيام بتحاليل الدم و التصوير بالرنين المغناطيسي ، حضر الدكتور بنفسه إلى قاعة الإنتظار وقال : كل شيء جيد ، فقط نبضات القلب التي تتسارع بين الفينة والأخرى وضغط الدم الذي يرتفع بدون سبب وجيه لكنه في حالة شبه نائم ، لم نستطيع تحديد المشكلة ولا نعرف متى سوف يستيقظ ، لكننا نبذل قصارى جهدنا ، والباقي على الله،
وانصرف تاركا " والدي محمود " واقفين في ذهول من كلامه الذي لم يفقها منه شيئا ،
لتقول " أم محمود " قائلة : هو الدكتور كان بيقول إيه مافهمتش حاجة؟؟
فقلت لها : يقول أنه سيكون بخير ، عليكم أن تدعوا معه فقط ،
مر ذلك الصباح مثل الكابوس لكن ما أن حل المساء مع توقيت المغرب حتى تغيرت المستشفى وكأنني في مكان آخر غير الذي أنا فيه ،
صرت أرى " أرواح الموتى " و " أرواح المرضى " الذين يخضعون للعمليات الجراحية و هم يسيرون في الممرات ، التي تغيرت وكأنها دهاليز وممرات طويلة ذات إضاءة خافتة ، فلم أستطع العودة لغرفة " صديقي محمود " ، الحمد لله أنني كنت متعودا على رؤية الأرواح وهذه الأمور و إلا كان عقلي طار من محله ، أغمضت عيني وبدأت أقرأ القرآن وفجأة سمعت صوت " صديقي محمود " وهو ينطق بإسمي قائلا : الحمد لله أنك هنا يا علي ، التفتت إليه وقلت الحمد لله أنك أنت هنا وأنك بخير ، أين كنت طوال هذه المدة ؟؟
فقال : أولا أنا سعيد أنك تستطيع رؤية روحي يا علي وإلا ماذا كنت سأفعل ، تاني شيء ، أنا نادم لأنني لم أستمع إلى نصيحتك ،
فسألته : ماذا فعلت البارحة حتى وصلت لهاته الحالة ؟؟
فقال : تواصلت مع " دكتور تنويم مغناطيسي " ، وهو صديق تعرفت عليه من يومين ، و أجرى لي " جلسة تنويم مغناطيسي " وقال لي أنني صرت مهيئا لمغادرة الجسد وأن الأمر سهل جدا ،
فقط علي التركيز في " النقطة الحمراء " و طلب مني أن أظل من غير نوم ليوميين متتاليتين ، وأنا أساسا لم أنم منذ يومان ، و ما إن عدت إلى المنزل حتى تناولت وجبة العشاء و دخلت غرفتي وألقيت جسدي على السرير وصرت أركز عل نقطة حمراء لمدة لا تقل عن ساعة ، وفعلا انتابني شعور غريب وكأن الحرارة ارتفعت في جسدي بشكل لا يصدق وكأنني أحترق وأنفاسي مقطوعة و أطراف جسدي صارت مشلولة ، بعدها صرت أسمع فحيح كفحيح الأفعى تلتوي على جسدي ورقبتي حتى الاختناق ، حاولت المقاومة لكنني فشلت و كنت أصرخ بأعلى صوت و لم يسمعني أحد ، و عندما فتحت عيني وجدت العديد من الأفاعي و مخلوقات مخيفة قصيرة القامة اقتربوا مني وهم ينظرون إلي ويخرجون ألسنتهم الطويلة كالأفاعي وهم يلحسون جسدي و وجهي ، فجأة أحسست ببرودة تسري في جسدي كالصقيع البارد ومن ثم رأيت نفسي وأنا أقف خارج جسدي وأنظر إليه و إلى " أمي " التي كانت بجواري تبكي وتنوح ، حاولت الرجوع لجسدي لكن تلك المخلوقات منعتني ، وكلما اقتربت لسعوني بألسنتهم ، حاولت الصراخ و المناداة على أمي لعلها تسمعني لكن بدون جدوى ، حتى سمعت صوتا غليظا يقول لي : لا تتعب نفسك لا أحد سيسمعك أو سينقدك منا ، لقد وقعت في " عالم النجوم الحمراء " ولا رجوع بعد الآن ، عندما التفتت لمصدر الصوت ، وجدت منظرا تقشعر منه الأجساد ، شخص لا تعرف ماهيته، غير أنه يشبه في الشكل الجسدي البشر لكنه ليس ببشر ، كان أسود اللون مختلطا بزرقة داكنة على شكل كدمات منتشرة على جسده ، له فم كبير يشبه الضفادع ، أصلع الرأس قصير القامة له بطن منتفخ وثلاتة أصابع بظوافر كالمنجل المقوس، سألته من أنت ؟؟ فقال : أنا " خادم الظلام " للعالم السفلي أنا " قمروص " ،
قلت له أريد العودة لجسدي،
فقال : لن تعود قبل مقابلة الملك ومبايعته و إهداء روحك له ،
سألته ماذا تقصد ؟؟
قال عندما تأتي معي ستعرف من هو الملك و ماذا أقصد ،
رغم محاولتي في عدم الذهاب لم أستطع مقاومتهم حتى وجدت نفسي في مكان ذا رائحة نتنة أشبه بالجحيم ، و يعج بالشياطين التي تعاشر بعضها البعض في طرقات ذلك المكان من غير إستحياء أو خجل أو مبالاة ،
حتى إذا وصلنا إلى مكان يشبه قاعة كبيرة تسمع منها أصوات تتعالى كلما اقتربت منها ، فإذا بها أصوات" الجن " التي تتعذب من قبل الشياطين وهي مقيدة بسلاسل، كنت أول مرة أشاهد " الجن والشياطين " ولطالما اعتقدت أن الجن والشياطين مثل بعضهم البعض ، لا فرق بينهم ،
ليأتي إلى مسامعي صوت و هو يقول : هل أنت مصدوم يا هذا مما تراه ؟؟
لا أستطيع يا" علي " حتى تذكره من بشاعته ، لقد كان شيطانا قبيح الشكل يجلس على " كرسي من عظام بشرية " ذا هيئة مخيفة فاقت كل حدود الخيال، بجسده الذي يشبه البشر لكن بدون جلد يغطي لحمه المتقيح ، عندما اقتربت منه أكثر عرفت أن تلك الرائحة النتنة تنبعت من جسده المتعفن وكانت تملأ المكان ، حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أكون شجاعا وقلت له : أنا لست هذا ، أنا إسمي" محمود " ، لا أعرف ماذا حصل ، ما أن لفظت إسمي حتى صرخ صرخة ارتعدت منها فرائصي وهو يقول: لا تذكر إسمه لا تذكر إسمه اصمت أيها اللعين ،
فقلت إسم من ؟؟
ليجيبني ذلك الرجل الذي يشبه الضفادع قائلا : يقصد لا تلفظ" إسم محمود " لأنه يشمئز منه ، في تلك اللحظة جاءتني فكرة مجنونة ، فقلت إذا سأذكر إسم الله حتى يتركوني في حالي ، وبدأت بالصراخ بأعلى صوتي ، وأنا أقول :" الله الله الله " ، وكلما رددت هذا الإسم إلا وذلك الكيان البشع يصرخ ويصرخ هو ومن معه من الشياطين وهو يقول : أسكتوه أسكتوا هذا الحشرة ، بينما كانوا يضعون أيديهم على مسامعهم وجدتها فرصة وهربت أنا ومن كان معي من الجن ، بينما كنا نهرب كنت أقول في نفسي إن كانت كلمة " الله " أخافتهم و أزعجتهم وفكت القيود من يدي و يد الجن ، فمابالك لو ذكرت الله صباحا و مساء ،
بعدها هؤلاء الجن هم من أوصلوني إلى منزلي ، هناك عرفت أن " جسدي " في المستشفى ،
وهم أيضا من قالوا لي أن من يستطيع مساعدتك هو صديقك " علي حسن المصري الشاذلي " ، ليتوجه نحوي في رجاء وهو يقول :
أرجوك يا " صديقي علي " ساعدني إنهم يركضون ورائي في كل مكان ،
هنا سألته : هل كنت على وضوء عندما قمت بعملية الإسقاط النجمي ؟؟
ليجيبني قائلا : لا أخفي عليك يا صديقي كنت سأصلي العشاء ولكن من فرط الحماس قلت مع نفسي أجربها وأنهض للصلاة ،
نظرت إليه وفي نفسي أقول : لا أعلم هل أصرخ عليه هل ألومه ، كيف تخاطر بنفسك إلى هذا الحد ، ها أنت الآن بين الحياة و الموت !! لقد نصحتك فلم تسمع ، أخبرتك فلم تنصت ، وانظر النتيجة الآن ،
لكنني سرعان ما امتصصت غضبي عليه لأنه ليس بوقت إلقاء اللوم ، فقلت له : لا تقلق يا صديقي العزيز لن أتركك كن مطمئنا ، الآن تعالى لنعود إلى غرفتك .
و رغم صعوبة الأمر بسبب تلك الممرات الضيقة التي كلما مررنا منها إلا وعدنا إلى نفس النقطة من جديد في كل مرة ، في النهاية استطعنا الوصول إلى غرفته حيث جسده النائم ،
كانت غرفة صغيرة تملأها مخلوقات غريبة قصيرة القامة ، و منهم من يتعلق بالسقف كالوطواط ومنهم من يدخل ويخرج من الحائط ومنهم من يلتوي على جسد محمود حتى الرقبة ، و كانت " أفعى حمراء ضخمة " تلتوي عليه ، مما تجعله في سبات ونوم عميق ، حاولت الاقتراب وقراءة القرآن في تلك الغرفة لكن بدون جدوى ،
فكلما قرأت آيات من القرآن إلا وساءت حالته الصحية أكثر ، وتلك الأفعى تلتوي عليه بشدة أكثر ، حتى كنت أسمع " صديقي محمود " وهو يقول : كفاية بختنق كلمابتقرا ، بينقطع نفسي ،
لكنني توقفت عن القراءة عندما دخل الدكتور والممرضة بسرعة بعدما سمعوا صوت الآلات التي كانت مرتبطة بجسد " محمود " الخاصة بتزويد الأوكسجين والأخرى بتخطيط القلب وهي تدوي بدون توقف ،
أخرجوني بسرعة من الغرفة ، و محمود إلى جواري يسألني ماذا نفعل ؟؟
فقلت له : يجب أن أذهب إلى المنزل لأغير ملابسي و أتوضأ من جديد بعدما أن تقيأ علي أحد المرضى من الجن عندما كنت أبحث عن الغرفة بين الممرات .
أثناء الطريق كان يسألني لماذا سنذهب إلى المنزل ونترك جسدي وحده مع تلك المخلوقات ؟؟!! ،
حتى إذا وصلنا المنزل صعدت إلى غرفتي توضأت و صليت وجلست أقرأ القرآن حتى جاء "جدي حسن المصري الشاذلي " ، و سألته هل تعلم ماذا حصل لصديقي محمود ؟؟ فقال : نعم أعلم وصلني الخبر ، في تلك اللحظة كان صديقي يسألني مع من أتحدث مبديا استغرابه الشديد!!
لكنه في الحقيقة أنا من إستغربت كيف لإثنين من الأرواح في غرفة واحدة أن لا يرى أحدهما الآخر ، بينما جدي كان يراه ، كانت روح صديقي محمود لا ترى روح جدي!!
و سرعان ما جاءني الرد من جدي وهو يقول : لن يراني في أرض الدنيا لكنه يستطيع أن يراني في سماء الدنيا الأولى فليست هناك حجب ، لأنه لايزال محسوبا على خانة الأحياء،
طلبت منه المساعدة فقال جدي : اطلب من أمه أن تعطي صدقة من أجل ابنها ، وأن يقرأ أحدهم القرآن أمام جسده ، فقلت : أنا سأقرأ القرآن يا جدي ، فقال : لا أنت ستأتي معي .
عدت للمستشفى سريعا وطلبت من " أم محمود " أن تفعل ما طلبه جدي ، وبالفعل قامت بذلك في تلك اللحظة بينما أباه جلس في غرفته وصار يتلو القرآن الكريم .
" أب محمود " رجل من الصالحين ، وهو رجل طيب القلب ومعروف برؤياه التي تتحقق كفلق الصبح .
عدت للمنزل مع صديقي جلست " جلسة ذكر " وبعد لحظات خرجت روحي المتجسدة ، و ما أن رآني صديقي حتى استغرب بشدة وهو يقول : لماذا روحك ليست شفافة كروحي؟؟!! بينما روحي يظهر ظاهرها من باطنها ؟؟!!
فقلت له سأشرح لك فيما بعد ،
فقال لي جدي : إنه سيأتي معنا لحدود السماء الأولى فقط ، لا يمكنه تجاوزها .
انطلقنا حتى إذا خرجنا من " مدار الأرض " إلى السماء الأولى ، أوقفته الملائكة وقالت له : ليس لك الإذن بالدخول إلى " السماء التانية " ، وبالفعل ظل ينتظرنا هناك عند " الباب الأول " ، بينما أنا أكملت الطريق مع جدي إلى " السماء الثانية " و " التالثة " حتى " السادسة " ، فإذا ب " ملاك " يستقبل جدي وكأنه يعرفه جيدا وعلى وجهه الجميل ابتسامة طاهرة وهو يقول له : تفضل يا حسن إنه ينتظرك ، سألت جدي من هو الذي ينتظرك فقال : ستعرف ذلك الآن يا عزيزي ،
وإذا بنا في " مكان أشبه بالجنان " التي لا حدود لها ، أشجار تعلو في السماء ولا تعرف مداها ، وثمار تفوح منها رائحة لم أشتم كمثلها في حياتي ، بينما كنا نمشي بين الأشجار سمعت " أصواتا تشبه هدير الشلال " ،
سألت جدي : ما هذه الأصوات؟؟ فقال : تعال وانظر بنفسك ، ثم قال : هذا النهر الأول و هو من العسل ، و كان نهرا كبيرا يجري منه العسل بغزارة وينبع من عين صغيرة كحبة الفستق لا ينتهي تدفق العسل منها ، كانت حقا من أعجب ما رأت عيني ،
مذاقه لا يشبه العسل الذي في الأرض ، بل هو شيء فوق الوصف .
كان مكانا فسيحا جميلا جدا يعج بالملائكة وأرواح هي من أهل تلك الجنان ، بينما أنا مأخوذ بما تراه عيني وتسمعه أذناي من ذكر الملائكة الذي لا ينقطع ، و من تلك الأشجار التي تردد كالصدى ذلك الصوت في " موسيقى " تغدي الروح ، رأيت " رجلا " يرتدي عباءة بيضاء وعلى وجهه وقار وجمال وهيبة لم أرى مثلها قط في حياتي ، وتلك " الرائحة الطيبة " التي تنبعث منه ، تشبه المسك لكنها أزكى ، رحب بنا ترحيبا طيبا و وضع يده على رأسي وهو يمسحها بحنان ، وأسقانا ماء عذبا من " نافورة تحملها الملائكة " وتلفها بأجنحتها وقد امتلأت بحبات اللؤلؤ التي كان يسمع منها تسبيح بديع وهي تكرر : " سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " .
قام جدي برواية الحكاية له عن صديقي محمود ، حتى إذا انتهى من شرحه ، أمر ذلك " الرجل الصالح " أحد الملائكة الواقفين أمامه بالذهاب معنا ، فاستأذنا منه وذهبنا مع ذاك " الملاك " ، سألت جدي : أين سنذهب ومن ذلك " الرجل الجميل " " صاحب الوجه المليح " ، فقال وهو يفيض محبة : إنه " جدك رسول الله " يا علي ، لم يكمل نطق اسمه حتى شعرت بالدموع تنزل على خدي وبدأ قلبي يرتجف ، فقلت له : سامحك الله يا جدي لماذا لم تقل لي أنه رسول الله ، كنت أريد أن أحضنه و أقبل يداه الشريفتان، فنظر إلي وقال : لا تقلق يا عزيزي ستراه مرة أخرى إن شاء الله كن مطمئنآ ، وكنا قد وصلنا أثناءها إلى مكان يعج بالملائكة ، وكل ملاك يفوق حجمه وجماله كل حدود العقل ، ولكل ملاك " لوح " يمسك به و " قلم " ، منهم من يكتب ومنهم من يمسح ويعيد الكتابة .
سألت جدي : ما هذا المكان يا جدي ؟؟!!
فقال : هذا هو " اللوح المحفوظ " يا عزيزي ، وفيه تكتب مصائر الخلق من يوم وجودهم في البرزخ حتى العودة إليه ،
ثم قال : هل ترى تلك " الألواح الزمردية " يا علي ، إن أقدارها لا تتغير ،
أما تلك الألواح فأقدارها تتغير بالعمل الصالح والصدقات .
كانت تلك الألواح عجيبة ، ولكل لوح لون وحبر ،
منهم " ألواح الأنبياء " و " ألواح الأولياء " و " ألواح الصالحين والصالحات " ، و " ألواح الشقيات و الأشقياء".
اقتربنا من " لوح كبير " لا يظهر رأسه من أسفله ،
وذلك الملاك معنا لم يفارقنا ، اقترب من " الملاك المكلف " باللوح المحفوظ " و تحدثا باللغة السريانية، وقال له مخاطبا ذاك الملاك أمام اللوح : الشيخ حسن عنده إذن لتغيير القدر فامسح ما يريد مسحه
و اكتب ما يريده ، و فعلا قال له جدي ما قال والملاك يمسح ومن بعدها يكتب ، و بعد أن تأكد الملاك من صدقة أم صديقي محمود ، عدا عن أنه وجد أن " صديقي محمود " في ذلك اليوم كان قد أعطى " صدقة " و كانت عبارة عن " سندويش فول مدمس " و " كوشري " لرجل جائع ، فامتلأ لوحه بالحسنات .
سألت جدي : هل أستطيع أن أنظر إلى لوحي ،
فقال : هل أنت متأكد أنك تريد إلقاء نظرة ؟؟
فقلت نعم . . ثم نظرت نظرة ، أفرحني ما أفرحني و أحزنني ما أحزنني .
بعدها عدنا إلى السماء حيث تركنا " صديقي محمود " ينتظرنا ، وعندما وجدنا أمامه قال : ألم تذهبوا بعد ؟؟ فقلت له : لقد ذهبنا ومرت بضع ساعات ونحن هناك فكيف تسأل هذا السؤال !!
ليجيبنا مع إبتسامة قائلا : لكنك يا صديقي تركتني أنظر إلى ذهابكم وأنا لم ألتفت بعد حتى لمحتكم وأنتم قادمين ،
فقلت هذه حقا معلومة جديدة علي كلية ، تعددت نعم الله فهي لا تحصى .
عدنا إلى المنزل وعادت روحي لجسدي ، و رغم شعوري ببعض التعب ، لكنني ذهبت مع صديقي إلى المستشفى و " جدي " لم يفارقنا،
عندما وصلنا وجدت " أم محمود " تبكي ، مما جعلني أشعر بالخوف و أنا أقول في نفسي : هل يعقل أنه مات رغم كل المحاولات !!
ما إن اقتربت من الغرفة حتى قال لي " أخ محمود " : " أخي بخير لقد استيقظ من الغيبوبة .
التفتت أبحث عن " روح محمود " ، فلم أجدها ، و عندما دخلت الغرفة وجدت " محمود " يفتح عيناه و هو يقول: هو حصل إيه يا جماعة؟؟!!
إيه الدوشة دي؟؟
أنا فين وبعمل هينا إيه ؟؟
ثم في مساء ذلك اليوم عاد" صديقي محمود " للمنزل وهو لا يتذكر شيئا مما حصل ،
لكن محبته لي زادت دون أن يعرف السبب .
المهم أنه بخير وأنه تعلم من هذه التجربة الخطيرة ألا يعرض نفسه للهلاك .
لكن حكاية " محمود صديقي " انتهت و حكايتي ابتدأت ، فكل" الأرواح " التي كانت في المستشفى منها الحية أجسادها والميتة أجسادها صارت تزورني في منزلي وتطلب مني أن أساعدها،
حتى الأرواح التي ماتت مقتولة .
انتهى الجزء الثاني من الرواية
#بقلم_ريم_الشاذلي
. . "#الإسقاط_النجمي "
." رواية " الجزء 2
.
لا أعلم ماذا تغير بعد تلك الرحلة مع جدي " حسن الشاذلي" ، وكأن العالم تغير من حولي
أفكاري . . أحاسسي . . نظرتي للحياة . . لم يعد الأمر كما كان , تلك الرحلة كان لها دور كبير في تغير جزء كبير من شخصيتي، تعلمت درسا كبيرا ، في ذلك العالم الخفي الحقيقي لاض4صماهو اتجاهك الديني ،
في ذلك العالم الحقيقي لا يوجد غير الله الخالق و رسله الحق ، في ذلك العالم لا يوجد سوى الحقيقة .
في تلك الليلة عندما عدت للمنزل مع جدي سألته سؤالا كان لابد منه وقد شغل بالي كثيرا لكنني كنت مترددا ،
لكنه كالعادة وكأنه يعرف ما يجول في عقلي وخاطري ، بادرني قائلا : إسأل يا علي عما يشغلك؟؟
فقلت له : يا جدي هل " الصوفيون " فقط هم من يدركون هاته الأمور الربانية ؟؟
فقال : وهو يبتسم عندما حدثتك عن القلب السليم لم أقصد بحديثي هذا " الصوفيين " فقط ، بل قصدت كل عباد الله،
إعلم يا عزيزي أن الحق ليس له علاقة بالصوفية أو غيرها ، بل الحق في أن تكون مؤمنا بالله خالصا ،
واعلم أنه ليس كل" الصوفيين" مخلصين فيما يعتقدون ، فهناك المصطنعون الذين تم إقحامهم في هذا المجال لتشويهه ، وهناك الكاذبون المتاجرون بالمواجد و هناك المنافقون " أدعياء المقامات الروحية " ، فليس كل من تعمم عالم و ليس كل من تسبح ذاكر و ليس كل حامل كتاب بقارئ....
اما أنت يا علي وما وصلت إليه و ما أنت فيه من نعمة فلا علاقة له بالصوفية التي تسأل عنهم ، إنما هو هبة من الله يعطيها لمن يشاء من عباده، سواء كان مسلما أو مسيحيا او يهوديا على حسب مسميات أرض الدنيا ، إذا كان صاحبها ذا قلب سليم وروحه كالجوهر الصافي ،
وإذا حافظ على تلك الفطرة التي وهبه الله إياها بالعمل الصالح و بالإرشاد السليم من " أستاذه الرباني " كان من الرابحين وفتح الله له أبواب رحمته و مد الله له في بصره و سمعه و قوته و أعطاه من فضله ما لا يعلم قدره إلا الله ، أما إذا اتبع " طريق الشيطان " بالإخلال بما سبق كان من الخاسرين ،
بعد تلك الرحلة لم أستطيع النوم لليلتين متتاليتين ،
و أول شيء فكرت فيه هو صديقي " محمود " الذي يحاول أن يغوص في عالم " الإسقاط النجمي " وهو غير مدرك لما مدى خطورته .
في اليوم التالي ذهبت إلى منزله وحاولت فتح هذا الموضوع معه و إقناعه بأنها مخاطرة كبيرة قد تعرض حياته للخطر من قبل الشياطين ،
وعندما حدثته تركز حديثه بالتساؤل عن المصدر ؟؟
وأين وجدت هذا الكلام الفارغ ؟؟
في النهاية هو لم يستسلم وجرب تلك الطريقة مرارا وتكرارا ،
وأنا لم أجرؤ على قول الحقيقة له ،
ماذا كنت سأقول له ؟؟
بأن روح جدي " الميت " منذ زمان ، تزورني ،وتأخذني معه هنا وهناك وأنه هو مصدر هذا الكلام !!
أكيد أن صديقي " محمود " لن يصدقني وسينعتني بالجنون و هذا أمر مؤكد ،
و في كل محاولة لإقناعه أن " عملية الإسقاط النجمي " أمر خطير كان يسأل عن المصدر ، و أنا كنت أستسلم و أتراجع،
حتى حصلت كارثة غير متوقعة بعد مرور شهرين ، يومها سمعنا خبرا نزل علينا كالصاعقة مع تمام العاشرة صباحآ ،
زميلكم " محمود مكرم " توفاه الله امبارح وهو نايم بالليل ،
خبر موته شكل صدمة قوية في الجامعة ، وخصوصا أنه شخص معروف بروحه المرحة ،
وأسلوبه في معاكسة الجميع ، حتى الأساتذة و المدرسات لم يكن يسلمن من معاكسته ومزاحه ،
الجميع كان يسأل كيف مات ، لدرجة أنهم لم يصدقوا واعتبرها البعض مجرد مزحة رخيصة و تافهة ،
أنا الوحيد الذي كنت أعلم ما حصل معه وتألمت كثيرا ،
بعض الأصدقاء قرروا الذهاب إلي بيت المرحوم في ذلك اليوم وأنا ذهبت معهم لتقديم التعازي لأهله ،
كانت حالتهم سيئة جدا ،
وعند دخول بعض الأصدقاء والمدرسين إلى منزل صديقنا " محمود " كانت الأم في حالة من الصدمة جاحظة العين وهي تحتضن صورته ، وعندما رأتني قالت : شايف يا علي شايف صاحبك راح وسبني لوحدي ،
إتعشى إمبارح و كان بيهزر مع أبوه و اخواتوا عادي جدا وبعدها دخل الأوضة بتعتوا وطلب محدش يخش عليه ، بعد ساعة سمعناه بيصرخ وهو بيقول لاء لاء ، دخلت عليه بقلوا مالك يابني ، على أساس إنو بيشوف حلم وحش ولا حاجة ،.
بينما هي تتكلم خرج رجل من غرفة محمود وبيده محفظة وأب محمود بجواره ، عرفت أنه دكتور جاء للمعاينة ، لكن ما قاله كان صادما قال : إن محمود دخل في" كومة دماغية " و أنصحكم أن تأخدوه للمشفى لعل الدكاترة يجدون له حلا عاجلا ، وكل دقيقة تأخير ليست في صالحه ،
هنا عرفنا أن محمود لم يمت لكنه دخل في غيبوبة ،
ونقلناه للمستشفى بسرعة
أثناء تواجدنا في المستشفى ، قاموا بعرض محمود على
"الدكتور عصام إبراهيم " وبعد التشخيص والقيام بتحاليل الدم و التصوير بالرنين المغناطيسي ، حضر الدكتور بنفسه إلى قاعة الإنتظار وقال : كل شيء جيد ، فقط نبضات القلب التي تتسارع بين الفينة والأخرى وضغط الدم الذي يرتفع بدون سبب وجيه لكنه في حالة شبه نائم ، لم نستطيع تحديد المشكلة ولا نعرف متى سوف يستيقظ ، لكننا نبذل قصارى جهدنا ، والباقي على الله،
وانصرف تاركا " والدي محمود " واقفين في ذهول من كلامه الذي لم يفقها منه شيئا ،
لتقول " أم محمود " قائلة : هو الدكتور كان بيقول إيه مافهمتش حاجة؟؟
فقلت لها : يقول أنه سيكون بخير ، عليكم أن تدعوا معه فقط ،
مر ذلك الصباح مثل الكابوس لكن ما أن حل المساء مع توقيت المغرب حتى تغيرت المستشفى وكأنني في مكان آخر غير الذي أنا فيه ،
صرت أرى " أرواح الموتى " و " أرواح المرضى " الذين يخضعون للعمليات الجراحية و هم يسيرون في الممرات ، التي تغيرت وكأنها دهاليز وممرات طويلة ذات إضاءة خافتة ، فلم أستطع العودة لغرفة " صديقي محمود " ، الحمد لله أنني كنت متعودا على رؤية الأرواح وهذه الأمور و إلا كان عقلي طار من محله ، أغمضت عيني وبدأت أقرأ القرآن وفجأة سمعت صوت " صديقي محمود " وهو ينطق بإسمي قائلا : الحمد لله أنك هنا يا علي ، التفتت إليه وقلت الحمد لله أنك أنت هنا وأنك بخير ، أين كنت طوال هذه المدة ؟؟
فقال : أولا أنا سعيد أنك تستطيع رؤية روحي يا علي وإلا ماذا كنت سأفعل ، تاني شيء ، أنا نادم لأنني لم أستمع إلى نصيحتك ،
فسألته : ماذا فعلت البارحة حتى وصلت لهاته الحالة ؟؟
فقال : تواصلت مع " دكتور تنويم مغناطيسي " ، وهو صديق تعرفت عليه من يومين ، و أجرى لي " جلسة تنويم مغناطيسي " وقال لي أنني صرت مهيئا لمغادرة الجسد وأن الأمر سهل جدا ،
فقط علي التركيز في " النقطة الحمراء " و طلب مني أن أظل من غير نوم ليوميين متتاليتين ، وأنا أساسا لم أنم منذ يومان ، و ما إن عدت إلى المنزل حتى تناولت وجبة العشاء و دخلت غرفتي وألقيت جسدي على السرير وصرت أركز عل نقطة حمراء لمدة لا تقل عن ساعة ، وفعلا انتابني شعور غريب وكأن الحرارة ارتفعت في جسدي بشكل لا يصدق وكأنني أحترق وأنفاسي مقطوعة و أطراف جسدي صارت مشلولة ، بعدها صرت أسمع فحيح كفحيح الأفعى تلتوي على جسدي ورقبتي حتى الاختناق ، حاولت المقاومة لكنني فشلت و كنت أصرخ بأعلى صوت و لم يسمعني أحد ، و عندما فتحت عيني وجدت العديد من الأفاعي و مخلوقات مخيفة قصيرة القامة اقتربوا مني وهم ينظرون إلي ويخرجون ألسنتهم الطويلة كالأفاعي وهم يلحسون جسدي و وجهي ، فجأة أحسست ببرودة تسري في جسدي كالصقيع البارد ومن ثم رأيت نفسي وأنا أقف خارج جسدي وأنظر إليه و إلى " أمي " التي كانت بجواري تبكي وتنوح ، حاولت الرجوع لجسدي لكن تلك المخلوقات منعتني ، وكلما اقتربت لسعوني بألسنتهم ، حاولت الصراخ و المناداة على أمي لعلها تسمعني لكن بدون جدوى ، حتى سمعت صوتا غليظا يقول لي : لا تتعب نفسك لا أحد سيسمعك أو سينقدك منا ، لقد وقعت في " عالم النجوم الحمراء " ولا رجوع بعد الآن ، عندما التفتت لمصدر الصوت ، وجدت منظرا تقشعر منه الأجساد ، شخص لا تعرف ماهيته، غير أنه يشبه في الشكل الجسدي البشر لكنه ليس ببشر ، كان أسود اللون مختلطا بزرقة داكنة على شكل كدمات منتشرة على جسده ، له فم كبير يشبه الضفادع ، أصلع الرأس قصير القامة له بطن منتفخ وثلاتة أصابع بظوافر كالمنجل المقوس، سألته من أنت ؟؟ فقال : أنا " خادم الظلام " للعالم السفلي أنا " قمروص " ،
قلت له أريد العودة لجسدي،
فقال : لن تعود قبل مقابلة الملك ومبايعته و إهداء روحك له ،
سألته ماذا تقصد ؟؟
قال عندما تأتي معي ستعرف من هو الملك و ماذا أقصد ،
رغم محاولتي في عدم الذهاب لم أستطع مقاومتهم حتى وجدت نفسي في مكان ذا رائحة نتنة أشبه بالجحيم ، و يعج بالشياطين التي تعاشر بعضها البعض في طرقات ذلك المكان من غير إستحياء أو خجل أو مبالاة ،
حتى إذا وصلنا إلى مكان يشبه قاعة كبيرة تسمع منها أصوات تتعالى كلما اقتربت منها ، فإذا بها أصوات" الجن " التي تتعذب من قبل الشياطين وهي مقيدة بسلاسل، كنت أول مرة أشاهد " الجن والشياطين " ولطالما اعتقدت أن الجن والشياطين مثل بعضهم البعض ، لا فرق بينهم ،
ليأتي إلى مسامعي صوت و هو يقول : هل أنت مصدوم يا هذا مما تراه ؟؟
لا أستطيع يا" علي " حتى تذكره من بشاعته ، لقد كان شيطانا قبيح الشكل يجلس على " كرسي من عظام بشرية " ذا هيئة مخيفة فاقت كل حدود الخيال، بجسده الذي يشبه البشر لكن بدون جلد يغطي لحمه المتقيح ، عندما اقتربت منه أكثر عرفت أن تلك الرائحة النتنة تنبعت من جسده المتعفن وكانت تملأ المكان ، حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أكون شجاعا وقلت له : أنا لست هذا ، أنا إسمي" محمود " ، لا أعرف ماذا حصل ، ما أن لفظت إسمي حتى صرخ صرخة ارتعدت منها فرائصي وهو يقول: لا تذكر إسمه لا تذكر إسمه اصمت أيها اللعين ،
فقلت إسم من ؟؟
ليجيبني ذلك الرجل الذي يشبه الضفادع قائلا : يقصد لا تلفظ" إسم محمود " لأنه يشمئز منه ، في تلك اللحظة جاءتني فكرة مجنونة ، فقلت إذا سأذكر إسم الله حتى يتركوني في حالي ، وبدأت بالصراخ بأعلى صوتي ، وأنا أقول :" الله الله الله " ، وكلما رددت هذا الإسم إلا وذلك الكيان البشع يصرخ ويصرخ هو ومن معه من الشياطين وهو يقول : أسكتوه أسكتوا هذا الحشرة ، بينما كانوا يضعون أيديهم على مسامعهم وجدتها فرصة وهربت أنا ومن كان معي من الجن ، بينما كنا نهرب كنت أقول في نفسي إن كانت كلمة " الله " أخافتهم و أزعجتهم وفكت القيود من يدي و يد الجن ، فمابالك لو ذكرت الله صباحا و مساء ،
بعدها هؤلاء الجن هم من أوصلوني إلى منزلي ، هناك عرفت أن " جسدي " في المستشفى ،
وهم أيضا من قالوا لي أن من يستطيع مساعدتك هو صديقك " علي حسن المصري الشاذلي " ، ليتوجه نحوي في رجاء وهو يقول :
أرجوك يا " صديقي علي " ساعدني إنهم يركضون ورائي في كل مكان ،
هنا سألته : هل كنت على وضوء عندما قمت بعملية الإسقاط النجمي ؟؟
ليجيبني قائلا : لا أخفي عليك يا صديقي كنت سأصلي العشاء ولكن من فرط الحماس قلت مع نفسي أجربها وأنهض للصلاة ،
نظرت إليه وفي نفسي أقول : لا أعلم هل أصرخ عليه هل ألومه ، كيف تخاطر بنفسك إلى هذا الحد ، ها أنت الآن بين الحياة و الموت !! لقد نصحتك فلم تسمع ، أخبرتك فلم تنصت ، وانظر النتيجة الآن ،
لكنني سرعان ما امتصصت غضبي عليه لأنه ليس بوقت إلقاء اللوم ، فقلت له : لا تقلق يا صديقي العزيز لن أتركك كن مطمئنا ، الآن تعالى لنعود إلى غرفتك .
و رغم صعوبة الأمر بسبب تلك الممرات الضيقة التي كلما مررنا منها إلا وعدنا إلى نفس النقطة من جديد في كل مرة ، في النهاية استطعنا الوصول إلى غرفته حيث جسده النائم ،
كانت غرفة صغيرة تملأها مخلوقات غريبة قصيرة القامة ، و منهم من يتعلق بالسقف كالوطواط ومنهم من يدخل ويخرج من الحائط ومنهم من يلتوي على جسد محمود حتى الرقبة ، و كانت " أفعى حمراء ضخمة " تلتوي عليه ، مما تجعله في سبات ونوم عميق ، حاولت الاقتراب وقراءة القرآن في تلك الغرفة لكن بدون جدوى ،
فكلما قرأت آيات من القرآن إلا وساءت حالته الصحية أكثر ، وتلك الأفعى تلتوي عليه بشدة أكثر ، حتى كنت أسمع " صديقي محمود " وهو يقول : كفاية بختنق كلمابتقرا ، بينقطع نفسي ،
لكنني توقفت عن القراءة عندما دخل الدكتور والممرضة بسرعة بعدما سمعوا صوت الآلات التي كانت مرتبطة بجسد " محمود " الخاصة بتزويد الأوكسجين والأخرى بتخطيط القلب وهي تدوي بدون توقف ،
أخرجوني بسرعة من الغرفة ، و محمود إلى جواري يسألني ماذا نفعل ؟؟
فقلت له : يجب أن أذهب إلى المنزل لأغير ملابسي و أتوضأ من جديد بعدما أن تقيأ علي أحد المرضى من الجن عندما كنت أبحث عن الغرفة بين الممرات .
أثناء الطريق كان يسألني لماذا سنذهب إلى المنزل ونترك جسدي وحده مع تلك المخلوقات ؟؟!! ،
حتى إذا وصلنا المنزل صعدت إلى غرفتي توضأت و صليت وجلست أقرأ القرآن حتى جاء "جدي حسن المصري الشاذلي " ، و سألته هل تعلم ماذا حصل لصديقي محمود ؟؟ فقال : نعم أعلم وصلني الخبر ، في تلك اللحظة كان صديقي يسألني مع من أتحدث مبديا استغرابه الشديد!!
لكنه في الحقيقة أنا من إستغربت كيف لإثنين من الأرواح في غرفة واحدة أن لا يرى أحدهما الآخر ، بينما جدي كان يراه ، كانت روح صديقي محمود لا ترى روح جدي!!
و سرعان ما جاءني الرد من جدي وهو يقول : لن يراني في أرض الدنيا لكنه يستطيع أن يراني في سماء الدنيا الأولى فليست هناك حجب ، لأنه لايزال محسوبا على خانة الأحياء،
طلبت منه المساعدة فقال جدي : اطلب من أمه أن تعطي صدقة من أجل ابنها ، وأن يقرأ أحدهم القرآن أمام جسده ، فقلت : أنا سأقرأ القرآن يا جدي ، فقال : لا أنت ستأتي معي .
عدت للمستشفى سريعا وطلبت من " أم محمود " أن تفعل ما طلبه جدي ، وبالفعل قامت بذلك في تلك اللحظة بينما أباه جلس في غرفته وصار يتلو القرآن الكريم .
" أب محمود " رجل من الصالحين ، وهو رجل طيب القلب ومعروف برؤياه التي تتحقق كفلق الصبح .
عدت للمنزل مع صديقي جلست " جلسة ذكر " وبعد لحظات خرجت روحي المتجسدة ، و ما أن رآني صديقي حتى استغرب بشدة وهو يقول : لماذا روحك ليست شفافة كروحي؟؟!! بينما روحي يظهر ظاهرها من باطنها ؟؟!!
فقلت له سأشرح لك فيما بعد ،
فقال لي جدي : إنه سيأتي معنا لحدود السماء الأولى فقط ، لا يمكنه تجاوزها .
انطلقنا حتى إذا خرجنا من " مدار الأرض " إلى السماء الأولى ، أوقفته الملائكة وقالت له : ليس لك الإذن بالدخول إلى " السماء التانية " ، وبالفعل ظل ينتظرنا هناك عند " الباب الأول " ، بينما أنا أكملت الطريق مع جدي إلى " السماء الثانية " و " التالثة " حتى " السادسة " ، فإذا ب " ملاك " يستقبل جدي وكأنه يعرفه جيدا وعلى وجهه الجميل ابتسامة طاهرة وهو يقول له : تفضل يا حسن إنه ينتظرك ، سألت جدي من هو الذي ينتظرك فقال : ستعرف ذلك الآن يا عزيزي ،
وإذا بنا في " مكان أشبه بالجنان " التي لا حدود لها ، أشجار تعلو في السماء ولا تعرف مداها ، وثمار تفوح منها رائحة لم أشتم كمثلها في حياتي ، بينما كنا نمشي بين الأشجار سمعت " أصواتا تشبه هدير الشلال " ،
سألت جدي : ما هذه الأصوات؟؟ فقال : تعال وانظر بنفسك ، ثم قال : هذا النهر الأول و هو من العسل ، و كان نهرا كبيرا يجري منه العسل بغزارة وينبع من عين صغيرة كحبة الفستق لا ينتهي تدفق العسل منها ، كانت حقا من أعجب ما رأت عيني ،
مذاقه لا يشبه العسل الذي في الأرض ، بل هو شيء فوق الوصف .
كان مكانا فسيحا جميلا جدا يعج بالملائكة وأرواح هي من أهل تلك الجنان ، بينما أنا مأخوذ بما تراه عيني وتسمعه أذناي من ذكر الملائكة الذي لا ينقطع ، و من تلك الأشجار التي تردد كالصدى ذلك الصوت في " موسيقى " تغدي الروح ، رأيت " رجلا " يرتدي عباءة بيضاء وعلى وجهه وقار وجمال وهيبة لم أرى مثلها قط في حياتي ، وتلك " الرائحة الطيبة " التي تنبعث منه ، تشبه المسك لكنها أزكى ، رحب بنا ترحيبا طيبا و وضع يده على رأسي وهو يمسحها بحنان ، وأسقانا ماء عذبا من " نافورة تحملها الملائكة " وتلفها بأجنحتها وقد امتلأت بحبات اللؤلؤ التي كان يسمع منها تسبيح بديع وهي تكرر : " سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " .
قام جدي برواية الحكاية له عن صديقي محمود ، حتى إذا انتهى من شرحه ، أمر ذلك " الرجل الصالح " أحد الملائكة الواقفين أمامه بالذهاب معنا ، فاستأذنا منه وذهبنا مع ذاك " الملاك " ، سألت جدي : أين سنذهب ومن ذلك " الرجل الجميل " " صاحب الوجه المليح " ، فقال وهو يفيض محبة : إنه " جدك رسول الله " يا علي ، لم يكمل نطق اسمه حتى شعرت بالدموع تنزل على خدي وبدأ قلبي يرتجف ، فقلت له : سامحك الله يا جدي لماذا لم تقل لي أنه رسول الله ، كنت أريد أن أحضنه و أقبل يداه الشريفتان، فنظر إلي وقال : لا تقلق يا عزيزي ستراه مرة أخرى إن شاء الله كن مطمئنآ ، وكنا قد وصلنا أثناءها إلى مكان يعج بالملائكة ، وكل ملاك يفوق حجمه وجماله كل حدود العقل ، ولكل ملاك " لوح " يمسك به و " قلم " ، منهم من يكتب ومنهم من يمسح ويعيد الكتابة .
سألت جدي : ما هذا المكان يا جدي ؟؟!!
فقال : هذا هو " اللوح المحفوظ " يا عزيزي ، وفيه تكتب مصائر الخلق من يوم وجودهم في البرزخ حتى العودة إليه ،
ثم قال : هل ترى تلك " الألواح الزمردية " يا علي ، إن أقدارها لا تتغير ،
أما تلك الألواح فأقدارها تتغير بالعمل الصالح والصدقات .
كانت تلك الألواح عجيبة ، ولكل لوح لون وحبر ،
منهم " ألواح الأنبياء " و " ألواح الأولياء " و " ألواح الصالحين والصالحات " ، و " ألواح الشقيات و الأشقياء".
اقتربنا من " لوح كبير " لا يظهر رأسه من أسفله ،
وذلك الملاك معنا لم يفارقنا ، اقترب من " الملاك المكلف " باللوح المحفوظ " و تحدثا باللغة السريانية، وقال له مخاطبا ذاك الملاك أمام اللوح : الشيخ حسن عنده إذن لتغيير القدر فامسح ما يريد مسحه
و اكتب ما يريده ، و فعلا قال له جدي ما قال والملاك يمسح ومن بعدها يكتب ، و بعد أن تأكد الملاك من صدقة أم صديقي محمود ، عدا عن أنه وجد أن " صديقي محمود " في ذلك اليوم كان قد أعطى " صدقة " و كانت عبارة عن " سندويش فول مدمس " و " كوشري " لرجل جائع ، فامتلأ لوحه بالحسنات .
سألت جدي : هل أستطيع أن أنظر إلى لوحي ،
فقال : هل أنت متأكد أنك تريد إلقاء نظرة ؟؟
فقلت نعم . . ثم نظرت نظرة ، أفرحني ما أفرحني و أحزنني ما أحزنني .
بعدها عدنا إلى السماء حيث تركنا " صديقي محمود " ينتظرنا ، وعندما وجدنا أمامه قال : ألم تذهبوا بعد ؟؟ فقلت له : لقد ذهبنا ومرت بضع ساعات ونحن هناك فكيف تسأل هذا السؤال !!
ليجيبنا مع إبتسامة قائلا : لكنك يا صديقي تركتني أنظر إلى ذهابكم وأنا لم ألتفت بعد حتى لمحتكم وأنتم قادمين ،
فقلت هذه حقا معلومة جديدة علي كلية ، تعددت نعم الله فهي لا تحصى .
عدنا إلى المنزل وعادت روحي لجسدي ، و رغم شعوري ببعض التعب ، لكنني ذهبت مع صديقي إلى المستشفى و " جدي " لم يفارقنا،
عندما وصلنا وجدت " أم محمود " تبكي ، مما جعلني أشعر بالخوف و أنا أقول في نفسي : هل يعقل أنه مات رغم كل المحاولات !!
ما إن اقتربت من الغرفة حتى قال لي " أخ محمود " : " أخي بخير لقد استيقظ من الغيبوبة .
التفتت أبحث عن " روح محمود " ، فلم أجدها ، و عندما دخلت الغرفة وجدت " محمود " يفتح عيناه و هو يقول: هو حصل إيه يا جماعة؟؟!!
إيه الدوشة دي؟؟
أنا فين وبعمل هينا إيه ؟؟
ثم في مساء ذلك اليوم عاد" صديقي محمود " للمنزل وهو لا يتذكر شيئا مما حصل ،
لكن محبته لي زادت دون أن يعرف السبب .
المهم أنه بخير وأنه تعلم من هذه التجربة الخطيرة ألا يعرض نفسه للهلاك .
لكن حكاية " محمود صديقي " انتهت و حكايتي ابتدأت ، فكل" الأرواح " التي كانت في المستشفى منها الحية أجسادها والميتة أجسادها صارت تزورني في منزلي وتطلب مني أن أساعدها،
حتى الأرواح التي ماتت مقتولة .
انتهى الجزء الثاني من الرواية
#بقلم_ريم_الشاذلي
بتاريخ 20 ابريل 2020
تعليقات
إرسال تعليق